حكم تناول المخدرات في الشريعة الإسلامية :


كتبهاعبد الرحمن الرشيدي ، في 26 يونيو 2008 الساعة: 09:57 ص

اتفق العلماء في مختلف المذاهـب الإسلامية على حرمة تناول القدر المؤثر على العقل من المواد والعقاقـير المخدرة ، فيحرم تعاطيها بأي وجه من الوجوه سواء كان بطريق الأكل أو الشراب أو التدخين أو السعوط أو الحقن بعد إذابتها ، أو بأي طريق كان . واعتبر العلماء ذلك كبيرة من كبائر الذنوب
(الجزء رقم : 32، الصفحة رقم: 229)
يستحق مرتكبها المعاقبة في الدنيا وفي الآخرة . . وهاك بعضا من كلامهم في ذلك: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مجيبا لمن سأله عن حكم تناول الحشيش [ هذه الحشيشة الصلبة حرام سواء سكر منها أو لم يسكر . والسكر منها حرام باتفاق المسلمين . ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال ، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتدا لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ] فتاوى ابن تيمية جـ 34 \ 210 . وقال في موضع آخر: [وهى بالتحريم أولى من الخمر ، لأن ضرر آكل الحشيشة على نفسه أشد من ضرر الخمر ] فتاوى ابن تيمية جـ 36 \ 224 . وقال الذهبي رحمه الله: ” والحشيشة المصنوعة من ورق القنب حرام كالخمر يحد شاربها كما يحد شارب الخمر ، وهي أخبث من الخمر ” الكبائر \ 86 للحافظ الذهبي . ونقل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله عن ابن حجر الهيثمي تحريمها عند الأئمة الأربعة فقال: [ "فثبت بما تقرر أنها حرام عند الأئمة الأربعة: الشافعية ، والمالكية ، والحنابلة بالنص والحنفية بالاقتضاء "] فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله جـ 12 \ 102 . وقال البهوتي رحمه الله: [ ولا يباح أكل الحشيشة المسكرة ] كشاف القناع للبهوتي جـ 6 \ 188 وقال ابن حجر في الزواجر:” وحكى القرافي وهو من أئمة المالكية وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيش وقال: (من استحلها كفر ) الزواجر عن اقتراف الكبائر جـ 1 \ 213 . وقال ابن شهاب الدين الرملي في: [ نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ]:
(الجزء رقم : 32، الصفحة رقم: 230)
الحشيش حالة إسكار وتحريم . وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري جـ 10 \ 38 : “واستدل بمطلق قوله صلى الله عليه وسلم صحيح البخاري الأشربة (5586) ، صحيح مسلم الأشربة (2001) ، سنن الترمذي الأشربة (1866) ، سنن النسائي الأشربة (5591) ، سنن أبو داود الأشربة (3687) ، سنن ابن ماجه الأشربة (3386) ، مسند أحمد بن حنبل (6/226) ، موطأ مالك الأشربة (1595) ، سنن الدارمي الأشربة (2097). كل ما يسكر حرام على تحريم المسكر ولو لم يكن شرابا فيدخل في ذلك الحشيشة . . إلخ ” ما قال ابن حجر رحمه الله . وقال ابن القيم رحمه الله في “زاد المعاد” ما خلاصته: إن الخمر يدخل فيها كل مسكر مائعا كان أو جامدا عصيرا أو مطبوخا ، فيدخل فيها لقمة الفسق والفجور- ويعني بها الحشيش- لأن هذا كله خمر بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم الصريح الصحيح الذي لا مطعن في سنده إذ صح عنه قوله: صحيح مسلم الأشربة (2003) ، سنن الترمذي الأشربة (1861) ، سنن أبو داود الأشربة (3679) ، سنن ابن ماجه الأشربة (3390) ، مسند أحمد بن حنبل (2/98). كل مسكر خمر وصح عن أصحابه الذين هم أعلم الأمة بخطابه ومراده أن الخمر ما خامر العقل ، على أنه لو لم يتناول لفظه صلى الله عليه وسلم “كل مسكر” لكان القياس الصريح الذي استوى فيه الأصل والفرع من كل وجه حاكما بالتسوية بين أنواع المسكر ، فالتفريق بـين نوع ونوع تفريق بين متماثلين من جميع الوجوه” . اهـ زاد المعاد في هدي خير العباد جـ 5 \ 747 ، ط مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1407هـ . وقال الصنعاني في سبل السلام: ” إنه يحرم ما أسكر من أي شيء وإن لم يكن مشروبا كالحشيشة ” . والفقهاء يرون أنه لا فرق في الحكم بين المواد السائلة والمواد الجامدة وأنه يحرم تعاطيها جميعها إذا أسكرت أو خدرت . والواقع أن البيئة الإسلامية ظلت نظيفة من المسكرات والمخدرات قرونا عديدة ولم يعرف المسلمون النباتات المخدرة إلا بعد أن وفدت بها شعوب أخرى إليهم . فلما عرفها الفقهاء أفتوا فيها بتحريم تعاطيها حيث قال صاحـب تهذيب الفروق والقواعد السنية جـ 1 \ 214 (انظر: المخدرات والعقاقير المخدرة ص 230) .
(الجزء رقم : 32، الصفحة رقم: 231)
: ” اعلم أن النبات المعروف بالحشيشة لم يتكلم عليه الأئمة المجتهدون ولا غيرهم من علماء السلف ، لأنه لم يكن في زمانهم ، وإنما ظهر في أواخر المائة السادسة ، وانتشر في دولة التتار . هذا ولم يستخدم الفقهاء لفظ المخدرات إلا في القرن العاشر الهجري . أما قبل ذلك فقد تحدثوا عن الحشيش والأفيون وغيرهما من المواد وذكروهما ضمن المواد المفترة أو المواد المسكرة ، وقد حفلت كتب الفقه الإسلامي بآرائهم واجتهاداتهم في تحريم الحشيش والأفيون تحريما قاطعا وقد نقلنا نماذج منها . أما المخدرات سواء كانت طبيعية أو مصنعة أو تخليقية وما يندرج تحـت تعدد أنواعها فلم يرد نص في القرآن الكريم أو السنة على حكمها ، ولكن هل عدم ورود النص بتحريمها يعني أنها مباحة كما حاول بعض المفترين ادعاء ذلك؟ كلا كلا . popUp1(319988)”> .
وبناء على هذا فإن الحكم الشرعي للمخدرات أنها “حرام ” ودليل هذا الحكم النص ، لأنها داخلة في عموم المسكرات أو بالقياس على الخمر لاتحادهما في علة الحكم وهي الإسكار أو لما في المخدرات من الأضرار الفردية والاجتماعية . ودخولها في عموم المسكرات قائم على أساس أن كثيرا من العلماء والأطباء يؤكد أن تأثير المخدرات كتأثير الخمر على العقل من ناحية الإسكار . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل مسكر خمر وكل خمر حرام .
(الجزء رقم : 32، الصفحة رقم: 232)
لهذا تكون المخدرات بذلك داخلة في عموم تحريم الخمر ، وحتى لو قيل : إنها مفترة وليست مسكرة . فقد روي عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر ومفتر . وعلينا أن ندرك أن المخدرات كالخمر ، حيث إن كليهما يخامر العقل ويحجبه ، وأركان القياس على المخدرات تتماثل مع ما ينطرح على الخمر . فالمخدرات كالخمر في الإسكار وحجب العقل والذهاب به ، تلك هي علة تحريم الخمر . لذلك ينسحب حكـم الخمر - وهو التحريم - على المخدرات ، لاشتراكهما في علة الحكم . popUp1(319991)”> . وبهذا يتبين غلط من زعم عدم وجود نص في الكتاب والسنة يقتضي تحريم الحشيش وسائر المخدرات والعقاقير المخدرة الأخرى . . قال ابن تيمية رحمه الله: ( وأما قول القائل أن هذه ما فيها آية ولا حديث فهذا من جهله ، فإن القرآن والحديث فيهما كلمات جامعة هي قواعد عامة وقضايا كلية تتناول كل ما دخل فيها ، فهو مذكور في القرآن والحديث باسمه العام وإلا فلا يمكن ذكر ، الصفحة رقم: 233)
(الجزء رقم : 32
كل شيء باسمه الخاص ) مجموع فتاوى ابن تيمية رحمه الله جـ 34 صفحة 206، 207. . وقال الإمام القرطبي رحمه الله: ( . . لو التزمنا ألا نحكـم بحكم حتى نجد فيه نصا لتعطلت الشريعة ، فإن النصوص قليلة . وإنما هي الظواهر والعموميات والأقيسة ) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي. . مجلة البحوث الاسلامية موقع الرئاسة العلمية للافتاء المملكة العربية السعودية