تحريم تعاطي المخدرات وأدلته :

ذهب فقهاء المذاهب الأربعة والظاهرية والإمامية إلى تحريم تعاطي المخدرات[ المكيفة ] قليلها وكثيرها لضررها وإفسادها العقل، وأجازوا تناول القليل النافع من أجل المداواة لا للهو لأن حرمتها ليست لعينها بل لضررها[2].

قال ابن عابدين في حاشيته :" وإلا فالحرمة عند قصد اللهو (المتعة واللذة ) ليست محل خلاف بل متفق عليها".

وقال ابن تيمية " هذه الحشيشة الملعونة حرام سواءً سكر بها أم لم يسكر".

فإذا تناول شخص من هذه المخدرات لغير قصد دوائي ضروري عوقب شرعاً العقوبة التعزيرية التي يراها القاضي محققة للزجر والردع. وقال ابن تيمية : " يجلد متعاطي الحشيشة كما يجلد شارب الخمر لأنها أخبت من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج حتى يصير الرجل في تخنث ودياثة، وكلاهما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة" .

ومذهب الإمامية إلحاق الحشيشة بالمسكرات في وجوب الحد على متعاطيها .

والمختلف فيه حكم التداوي بها فيما لو أشار طبيب ذو مهارة في الطب وثقة في الدين بتناول قدر يسير من المخدرات بقصد العلاج:

فمن يرى أنها مسكرة ويعطيها حكم الخمر حرم التداوي بها، بهذا يقول ابن تيمية وابن القيم. كما أن ابن حجر الهيثمي(1)يقول : "وإذا ثبت أن هذه المخدرات مسكرة فاستعمالها كبيرة وفسق كالخمر، وكل ما جاء في وعيد شاربها يأتي في هذه المذكورات لاشتراكهما في إزالة العقلن المقصود للشارع بقاؤه لأنه آلة الفهم عن الله ورسوله والمتميز به الإنسان عن الحيوان".

وذهب أكثر الفقهاء إلى جواز التداوي بالمخدرات، وبالمقدار الدوائي اليسير الذي يحدده طبيب حاذق بدينه وأمانته، ومن هؤلاء الإمام النووي وابن عابدين والزركشي والقرافي والدسوقي والذي يرجحه النسيمي (2.3).

أما د. الطيار فيرجح حرمة تعاطي المخدرات من كل وجه، ملكها وشراؤها وبيعها والتداوي بها، إلا في حالات الضرورة وبالحدود الضيقة وبعد استفادة كل الوسائل المباحة.

أما المخدرات العامة الطبية(2).

فلا يلجأ إليها أصلاً إلا لضرورة طبية وللأعمال الجراحية حصراً، والضرورات تبيح المحظورات. وقد يلجأ إليها بدافع إجرامي فيكون الفعل والدافع محرمين. أما تعاطيها بغير مقصد طبي فذلك محرم قطعاً لأنها تغيب العقل والحواس ولا يستيقظ المخدر بها قبل إطراحها من الجسم.

أدلة التحريم :لا يوجد نص صريح في القرآن الكريم أو السنة المطهر على تحريم تعاطي المخدرات لأنها لم تكن معروفة في عصر التنزيل إنما جاءت الشريعة الغراء بنصوص عامة تبين للأمة المسلمة وإلى يوم القيامة، ما يضرها وما ينفعها ضمن قواعد ثابتة يؤيدها العقل والعلم.

1. تحريم الخبائث:

قال تعالى : (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)الأعراف 157.

فالقاعدة الكلية في الشريعة تحرم الخبائث وإباحة الطيبات، ولا يوجد عاقل يقول أن المخدرات من الطيب المباح لما لها من الأضرار الخطيرة التي لا تخفى على أحد، وقد حرمتها كل الأمم في قوانينها الوضعية. فهي قطعاً من الخبائث، وأي خبيث أعظم مما يفسد العقول التي جاءت الشريعة لحفظها.

2. تحريم المسكرات :

يستدل العلماء بنصوص تحريم الخمر على تحريم المخدرات، فالخمر هي ما خامر العقل، أي ستره وغطاه، وهذا المعنى موجود على أشده في المخدرات.

عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل مسكر خمر وكل خمر حرام" متفق عليه .

وعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما أسكر كثيره فقليله حرام "[3] .

وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر ومفتر "[4] .

يقول ابن حجر العسقلاني في تفح الباري : " واستدل بمطلق قوله صلى الله عليه وسلم " كل مسكر حرام" على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شراباً فيدخل في ذلك الحشيشة.

قال ابن حجر الهيثمي(1): وحكى القرافي وابن تيمية الاجتماع على تحريم الحشيشة قال ومن استحلها فقد كفر ". وقال الذهبي في كتابه الكبائر " وبكل حال فالحشيشة داخلة فيما حرم الله ورسوله من الخمر المسكر لفظاً ومعنى " .

3. ذكرنا ما ثبت طبياً من أن المخدرات تؤدي إلى ضياع العقل والصحة وقد تؤدي إلى الهلاك والموت، ومن هذا يتبين أن تعاطي المخدرات اعتداء على الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة لحفظها قال تعالى : (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) وقال أيضاً ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا ضرر ولا ضرار "[5].