الأحد، 11 مارس 2012

الدليل الثالث من أدلة تحريم إستخدام الجن ( مدحت عاطف )

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
******
 الدليل الثالث من أدلة تحريم إستخدام الإنس الجن مدحت عاطف وكيف واجه النبي قضية استخدام الإنس الجن
نسف الاستخدام بفعل وقول سيدي الأنامللشيخ الدكتور مدحت عاطف
من كتابة

لا لإستخدام الجان عذرا شيخ الإسلام

فتوي استخدام الإنس الجن خطبها جسيم، وخطرها عميم،وجملها عظيم- ذلك لوخزها لب الدين، ومسها عقيدة المسلمين، ولم بدا هذا الاستخدام حمل ثقيلاً بلغ أشهر الوضع، وأجاءه المخاض فوق أرض النبوه الطهور، فتقنع هذا الاستخدام، وتجلب في قالب آدمي عجيب غير مسبوق، ليظهر علي أرض الواقع بصورة غلام ما جري عليه القلم حتي يستنكف الوري أن يقفوه، وتحول سنه دون سؤال أو ملام أو أن يضربوه. غلام لم يلغ الحلم بعد رغم بلوغ جرمه وفجره منتهي الفسوق. وبينما الغلام منهمكا في غوايته، متتابع في عمايته إذ ذاع صيته وطار اسمه بين الخلق. وقد إستهمت وجوه أمره وترامت أنباء شططه،وسفهه إلي مسامع النبي فانبري دافعا عن دين الله، وهب منافحا عن كلمة التقوي، قبل أن يستفحل خطره، وعلي جناح السرعة كان رسول الله وجها لوجه أمام هذا الغر([1]) الأفاك الذي تبذأه النواظر وتزدريه الأبصار، ووقف النبي المختار وأمامه أصغر كاهن عرفته الأمصار ورأته الأنظار.
وحديث رسول الله ينطق بالحق، ويحكم بالعدل في قضية استخدام الإنس الجن التي شغلت القلوب والأفكار فلنرتو من سلسبيل رسول الله تعالي العزيز الغفار وعلي آله وصحبه الأخيار:
1- فعن ابن عمر أن رسول اللهr مر بابن صياد في نفر من أحابه فيهم عمر بن الخطاب وهو يلعب مع الغلام عند أطم([2]) بني مغالة وهو غلام فلم يشعر حتي ضرب رسول الله r ظهره بيده ثم قال:" أتشهد أني رسول الله" فنظر إليه ابن صياد وقال:
أشهد أنك رسول الأميين ثم قال ابن صياد للنبي r: أتشهد أنت أني رسول الله فقال النبي r:" أمنت بالله وبرسله" ثم قال النبيr :" ما يأتيك" قال ابن صياد : يأتيني صادق وكاذب فقال النبيr: " أخسأ فلن تعدو قدرك"([3]).
وفي رواية: " ماذا تري" قال بن صياد: يأتيني صادق وكاذب فقال له رسول اللهr:" خلط عليك الأمر"، ثم قال له رسول اللهr:" إني قد
خبأت لك خبيئا". فقال ابن صاد: هو الدخ فقال له رسول الله r:" إخسأ فلن تعدو قدرك" وفي رواية" قال رسول اللهr"ما تري". قال: أري عرشا علي الماء. فقال رسول الله:
" تري عرش إبليس علي البحر"
قال:" وما تري"
قال: أري صادقين وكاذبا وكاذبين وصادقا
فقال رسول الله " أليس عليه الأمر دعوه".
2- كما ثبت في الصحيحين أن النبي سأل ابن صياد
فقال:" ما يأتيك؟
" فقال: يأتيني صادق وكاذب
قال:" يا تري؟
" قال: أري عرشا علي الماء.([4])
قال:" فإني قد خبأت لك خبيئا؟
" قال: الدخ الدخ.
قال:" إخسأ فلن تعدو قدرك فإنما أنت من إخوان الكهان".
قال النووي:
" قال الخطابي: وأما امتحان النبي بما خبأه له من آة الدخان فلأنه كان يبلغه ما يدعيه من الكهانة، ويتعاطاه من الكلام في الغيب.
فامتحنه ليعلم حقيقة حاله ويظهر إبطال حاله للصحابة.
وأنه كاهن ساحر يأتيه الشيطان، فيلقي علي لسانه ما يلقيه إلي الكهنة، فامتحنه بإضمار قوله تعالي:" فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين".
وقال:" خبأت لك خيئاً" فقال: الدخ الدخ- وهو لغة فيه- فقال له النبي :" إخسأ فلن تعدو قدرك": أي تجاوز قدرك، وقدر أمثالك من الكهان، الذين يحفظون من إلقاء الشيطان كلمه واحده من جمل كثيرة، خلاف الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم- فإنه يوحي الله تعالي إليهم من علم الغيب ما يوحي فيكون واضحا كاملا"أ هـ([5]).

هذه الأحاديث التورانية، التي أضاءت مصابيح الهدي حتي فاح أريجها فوحا بين الناس يباهي، ويفاخرن ويحاكي أرقي معالي الهمم، وأسمي معاني الإيجابية الخلاقة العلية، التي تجسدت في شخص رسول الله-r- وذلك عندما نهض r ليذهب عن كلمة التقوي، وهب لينافح عن عقيدة المسلمين، ويدافع عن عقولهم، ويحمي أفكارهم من براثن خطر مدلهم الغياهب- لذا ذهب-r- بذاته إلي موقع الحدث، وموطن الخل حيث يقطن الكاهن الصغير ليرقب عن كثب حركاته، ويتفقد عن قرب سكناته.
النبي الذي يحمل هم أمتين بأسرهما أمة الإنس،وأمة الجن ينتقل بنفسه مع كوكبه من الصحب الكرم رضي الله عنهم أجمعين لمعاينة مكان وزمان غلام؟!! يا سبحان الله!! المبعوث رحمه للعالمين، يأتي خصيصا لتقويم أمر غلام لما يبلغ الحلم بع، إن هذا لأمر عجاب.

وهذا الإتيان وذاك المجيء المبارك، دل علي فداحة الأمر وخطورة الجرم، رغم أنه r- كان بوسعه أن ينتبر، ويعظ، وينصح أمته، ويحذر أصحابه ويكتفي بإرسال نائب
عنه-r- لاستطلاع الأمر لاسيما أن صاحب الحدث غلام. وهذه دلالة أكبر علي جلل شأن هذا الحدث.
وفوق هذا وذاك فقد أماط هذا الحدث اللثام عن خطرين عظيمين:
الأول: قضية استخدام الإنس الجن.
والثاني: الغلام

قضية استخدام الإنس الجن
هذا الحديث المبارك الذي حرم به رسول الله- r- استخدام الإنس الجن وأبطل صلوات الله وسلامه عليه من خلاله جميع صور الاستخدام، وكل أنواعه، وأشكاله، وضروبه، بوضوح بين لا يداخله شك، وبيان واضح لا يخامره ريب فهذا الحديث الميمون الذي جعل رسول الله - r- منه صخرة تحطم فوقها كل دعاوي وفتاوي هذا الاستخدام القميء. حتي غدا الحديث عمدة الأدلة، وسيد البراهين، وتاج الحجج الناطقة بعبث هذا الإفتتات والشهادة علي تنكب وتخبط أدعياء هذا الاستخدام.
والدليل علي ذلك قول النبي r الذي لا ينطق عن الهوي:" إخسأ فلن تعدو قدرك " أي لن تتجاوز قدرك، وأنك من الكهان الذين يعتمدون علي ما تلقيه عليهم الشياطين فإما أنت من إخوان الكهان" واخسأ زجر للكلب وإبعاد له، هذا أصل هذه الكلمة عند العرب ثم استعملت في كل من قال أو فعل ما لا ينبغي لها.هـ([6])
ووصف النبيr ابن صياد ونعته اياه بالكهانه، وصف حق لموصوف يستحق، فتسربل ابن الكاهن سربال ليل أغبر. واختلف العلماء في تعريف الكاهن علي النحو التالي:

القول الأول: أن الكاهن: هو القاضي بالغيب، وهو الذي يخبر عن أمور مستقبلة من الغيب مستيعناً في ذلك بالشياطين.
القول الثاني: أن الكاهن يعم الجميع والعراف أخص. والكاهن يدخل فيه من يخبر بأمور مستقبلة أو ماضية غابت عن الناس، فالكاهن إسماً عاما لكل من يدعي شيئاً من علم الغيب([7]).
القول الثالث: الكاهن أخص لأن الكاهن مخصوص بالعلم المستقبلي علي حسب قولهم، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، كما نقله عنه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد.
والقول الثاني هو المشهور عند أهل العلم والأكثر عليه([8]).
وقيل العراف والكاهن سواء، لأن كل منهما يخبر عن الأمور الغائبة بواسطة الشياطين، فكلهم عملاء للشيطاين وإن اختلفوا في الأسم، هذا عراف، وهذا كاهن، فالمعني واحد، والمهنة واحدة، وهي ادعاء علم الغيب، وإن اختلف اللفظ أ هـ ([9]).
فالكاهن إذا: هو ذا الآدمي الذي تآخي مع الجن، وتحالف مع الشيطان، ووسيم جبهته بميسم العار، وجلل بياض قلبه([10]). بالقطران حتي غدا هو ورئيه توأمين، إنسي مشنوء([11]) وقرين مشنوع([12])
بينهما عهد طارت له هيئة منكرة([13])، وميثاق عمل ألزمهما عارا لا يمحوه كرور الأيام ولا ينسيه تعاقب الحدثان([14]). فالكاهن إنسان قد أسجد عقله، وأذل نفسه، وطأطأ قلبه، وأنحني مطة يركبها الشيطان، وخر مغتبطا وانكب مبهجا يقبل قدم الشطان. ويأتي دور الشيطان، وقد هبط وانحط بعدا اخترق جو السماء واسترق، والقي بكل ما سرق علي كل قلب قد مرق، من دين الله واحترق.
فغدا الكاهن هو من احتال علي الغيب بأنواعه الثلاثة، الماضي والحاضر والمستقبل وهذا عين تعريفات العلماء السابقة والله أعلم

والكهانة لا تخرج علي تعاملا وتعاونا علي الإثم والعدوان بين إنسي، وشيطان مما يحدونا إلي القول، أنا أمام عملية من عمليات استخدام للجن صادقة القمات، صريحة اللمات، والإنسي المستخدم الجن هنا غلام صغير، وكاهن لما يبغ الحلم بعد. ورغم حداثة سنه وصغر جرمه، أقام جسراً جويا من التعاون الآبق بينه وبين الشياطين. فاستعملهم من خلال هذا الجسر في الرجم بالغيب. وهذا الاستخدام حرمه رسول الله r بزجر صريح ووصف صحيح.
فأما الزجر الصريح فقولهr لابن صياد:" إخسأ". وقد بسطنا معناها فيما مضي في صدر الحديث عن الخطر الأول. وأما الوصف الصحيح ففي قوله r:" فإنك لن تعدو قدرك" يعني إنما أنت من إخوان الكهان وإن ذلك حجمك قدرك وقد تناولنا تعريفات الكاهن آنفا بما يغني عن الإعادة.
كيف واجه النبي قضية استخدام الإنس الجن
نظراً إلي دقة موضوع استخدام الإنس الجن، وشدة حساسيته المرهفة، وخطورته المسرفة، وكثرة إضراره بالعقيدة، وعظيم أخطارة علي الأخلاق، والمجتمع، ما كان لرسول الله-r- أن يغض الطرف، أو يصرف النظر عن هذه القضية، حتي يبين لأمته مدي نطاق هذه البؤرة المعونة ويؤكد حرمة هذا الاستخدام، ويفضح بكل أسلوب هذا التعاون الخسيس.
لذا سأل رسول اللهr ابن صياد أسئلة تنم عن غاية الحصافة، والرشد، وبعد النظر ليخرج خبأ فجره ومكره.
فقال لهr:" ما يأتيك؟" هكذا سؤال بصيغة المضارع، فيجيب الكاهن الصغير: يأتيني صادق وكاذب. ويتبعه النبيr سؤلاً آخر فيقول:" ما تري؟" ونلحظ أن صيغة المضارع المصاحبة أسئلة رسول الله r ما زالت صاحبة اليد الطولي والكاهن الصغير يجيب قائلا: أري عرشا علي الماء. ولنا هنا تعليق خاطف علي سؤال النبي r وجواب ابن صياد.
فسؤال النبيr ورد بصيغة الفعل المضارع وذلك في قولهr: ما يأتيك؟
جواب ابن صياد جاء أيضا بصيغة المضرع وذلك في قوله: يأتيني.
والفعل المضارع كما هو معلوم عند أهل النحو يحتمل الحال،والاستقبال مالم تقم قرينة علي أحدهما، فهما متقاربنا لأن المنتظر يصير إلي الحال، فيصبح سؤال النبي r وقوله لابن صياد"ما يأتيك" قد احتمل ما يأتيك الآن يا ابن صياد، ولا يأتيك بعد الآن. أي اجتمع في السؤال الاحتمالان ليستبين بواطل والباطل هذا الكذاب الأشر، ويتيقن r-أن ابن صياد يستخدم الشياطين،وأن له ردء من جن يسترقون له الأخبار رجماً بالغيب،وجاءت إجابة الغلام الكاهن وقد أوحلته شرا ما استطاع منه الفكاك وتلبسته الكهانةلا
مناص، وتأكد كهانته وعدة رسول الله-r- من توه ضمن الكهان، واعتبره-r- من المتحرصين الذين يتعاطون الريب، ويتطاولون علي الغيب.
وأسفر اللقاء عن كون ابن صياد،أول المستخدمين الجن فيعصر النبوة وصار أصغر كاهن، عرفته لبرية وهذا الاستخدام استخدم فيما نهي الله عنه ورسوله.
مرورا علي فتوى بن تيمية

ولكي تكتمل الرؤية من جوانبه المختلفة، وتتم الفائدة تتحرر المسألة، نسوق قول ابن تيمية رحمه الله: ومن كان يستعمل الجن فيم نهي الله عنه ورسوله.. إلي أن قال: فهذا قد استعان بهم علي الإثم والعدوان.أ هـ([15]).
وبمطابقة كلام ابن تيمية في حرمة استعمال الجن، فيما نهي الله عنه ورسوله، ومضهاته مع حرمة استخدام ابن صياد الجن، فيما نهي الله عنه ورسوله التي أثبتاناها آنفا، وخلص أن: التشابه واحد،والتماثل معلوم، والتناسب معروف لا ينكره إلا مكابر.
وأضحت فتوي ابن تيمية بتحريم استعمال الجن فيما نهي الله عنه ورسوله شرعية، تستند إلي فعل، وقول رسول الله- r- وتأوي إلي ركن شديد.
وطفق رسول الله-r- يكشف دخيلة الكاهن الغلام، فسأله وكان سؤال الختام.
فقال:" خبأت لك خبيئاً" ولعل النبي-r- أراد انتزاع آخر نزع للشياطين ابن صياد. هذا الغمر الذي جعل من لحمه جبا، ومن عظمه وكرا، ومن عروقه خندقاً، ومن جسده مآوي للعالم الجن والشياطين لذلك أضمر r قوله تعالي" فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين" وأقر بها في قرارة نفسه، أي أن النبي r أخذ آية من سورة الدخان وأسر بها، فجعلها حبيسة صدره وخبيئة عقله، و انتهي- r – من نسجها وفرغ من حبكها في الزمن الماضي، ثم نطق الكاهنالصغير وأجاب عن سؤال البشير النذير وقال: الدخ الدخ. ورغم أن ابن الصياد استخـدم الجـن هـذه المرة، وتعـاون مع الشياطـين تلك الكــره
لمعرفة ما وقع، وحدث في الماضي، إلا أن رسول اللهr- زجرة عن إجابة السؤال الأول الذي تضمن صيغة المضارع والسؤال الثاني الذي أخذ صيغة الماضي بلفظة واحدة هي "أخسأ". وصفه لأجلهما بالكهانة.
فوسع زجر واحد إجابتين وشمل وصف واحد الحال، ولاستقبال، وماضي ما قد كان، وصار التوصيف النبوي للكهانة، من جوامع كلم رسول الله-r- جمعه في كلمة واحدة لا تتعدي ثلاثة ألفظ حيث قال:" فلن تعدو قدرك" أي لن تجاوز قيمتك التي لا تخطي الكهانة المعتدمة علي ما تأتي به الشياطين،وتلقيها عليه الجن. وبذلك حكم رسول الله-r- علي استخدام الجن للإخبار عن الحال، والاستقبال، وعن الماضي بالكهانة،وأضحي الحكم عاما علي كل من استخدم الجن، أو تعاون معه لمعرفة الماضي، والحاضر، والمستقبل، وأمسي الإخبار عن الماضي كهانة تماما كالإخبار عن الحاضر، والمستقبل.

وهكذا حرم رسول الله-r- استخدام الإنس الجن علي أية حالة وبأي صورة وتحت أي مسمي.
وابن تيمية رحمه الله يقول:" ومنهم من يستخدمهم في أمور مباحة، إما إحضار ماله، أو دلالة علي مكان فيه مال..أ هـ([16]).
ويقول فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله" وقد يتصل الإنسان بجني، فيخبره عما حدث في الأرض ولو كان بعيداً فيستخدم الجن. لكن ليس علي وجه محرم، فلا يسمي كاهنا لأن الكاهن من يخبر عن المغيبات في المستقبل.أ هـ([17]).
ومن خلال أقوال هذين العالمين الجليلين نخلص إلي أن.
استخدام الجن لمعرفة مكان الضالة، والمفقود، أو الإخبار عما وقع في الزمن الماضي: استخدام مباح في نظر الشيخين.
وهنا ينجلي الغبار عن فساد هذا الاستخدام المباح.وذاك الادعاء المزعوم ويتضح بطلانه لثلاثة أوجه.
الأول:- وصف رسول الله-r- ابن صياد بالكهانة، عندما حاول ابن صياد كشف ما خبأه له النبي-r-، وأراد تجلية ما أسره النبي في نفسه قائلا: الدخ الدخ فأخسئه رسول الله- r- ونعت إجابته عما خبئه له في الزمن الماضي بالكهانة، وأدرج إخباره عما حدث في الماضي، والإتيان بما مضي ضمن الكهانة، وجعله من أشكالها،وأنواعها المحرمة.
ثانياً:- الحكم بالكهانة الذي أرساه رسول الله- r- حكم عام علي كل من تعاطي الغيب. بأنواعه الثلاثة الماضي، والحاضر، والمستقبل، فمن أراد تخصيص هذا العام فليأت بدليل هذا التخصيص.
ثالثاً:- الكاهن يدخل فيه من يخبر بأمور مستقبلة أو ماضية غابت عن الناس. وهذا التعريف هو المشهور عند أهل العلم والأكثر عليه.
وعليه قد أشكل علي فتوي استخدام الإنس الجن بما سبق تفصيله.



الخطر الثاني
الغـــلام:
" كان يبلغ رسول الله- r- خبره([18])،وما يدعيه من الكهانة ويتعاطاه من الغيب فامتحنه-r- ليزور أمره، ويخبر به شأنه، فلما كلمه علم انه مبطل، وأنه من جملة الحرة، أو الكهنة، أو ممن يأتيه رئي من الجن أو يتعاهده شيطان، فيلقي علي لسانه بعض ما يتكلم به. فلما سمع منه قوله:الدخ الدخ قال:" إخسأ فلن تعدو قدرك". يريد أن ذلكشيء اطلع عليه الشيطان فألقاه إليه وآجراه علي لسانه.أ هـ([19]).

هذا الكاهن المريب رغم حداثة سنه، وضآلة جسمه إلا أنه تولي قيادة خطب جليل، أمام إمام المرسلين وسد البرية أجمعين. هذا الغلام صاحب الجرم الصغير والجرم الكبير، يدعو شأنه، ويدفع حاله إلي التدبر في صغر عمره، وعظم خطره وسره.
لذلك كله رأيت أن أسأل سؤالا يهدينا الله به إلي لغز الغلام وحقيقة المرام.
أين مكمن الخطر ومربض الداء الذي دفع رسول الله، دفعا وقطع عليه، وقته، وأقلق مضاجع مهامه، وملك عليه شوارد فكره، وجاء به-r- وبذاته الشريفة علي جناح السرعة لاستطلاع أمر هذا الغلام؟
هل الخطر مرابض في ذات الغلام، وقابع في نفسه ورسمه؟ أو أن الأمر أكبر من ذلك بكثير، وأعظم بمراحل من هذا الغلام؟
لاسيما أن الغلام مازال في سن البراءة، ويعيش سذاجة الطفولة، وكأي غلام قد يعبث لسانه فيفكر، ويشط خاله فيشرك، والقلم أزال عليه لا يجري، والوزر مازال في حقه لا يسري، هكذا قال الحبيب r:" رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتي يستيقظ وعن الصغير حتي يكبر، وعن المجنون حتي يعقل أو يفيق"([20]).
ورفع القلم عن الصغير يعقبه حتما مما يؤذيه، فلا نعنف في تصويبه، ولا زجر في تخطيئه مع مراعاة قلة تثريبه، وكيل من الأعذار، لحداثة السن، وقلة خبرته، وأسرع من بياض الميم يمر الموقف رغم ألفاظ الكفر، وكلمات الشرك التي تفوه بها الغلام. وكأن شيئا لم يحدث وبراءة الأطفال دوما أمامنا. أو ما يدعونا ذلك إلي القول:
ما الفرق إذا بين ابن صياد الغلام الذي لما يبلغ الحلم. وبين باقي الغلمان الذين يعيشون بين ظهر أنينا، ويرتعون بين أدينا، وقد ينطقون بعين ما نطق به ابن صياد، ويتلفظون بنفس ما تلفظ به؟ ما الفرق بين هذا الغلام، وغلمان المسلمين في كل مكان؟ أظن الفرق صرح به المعصوم
في كلمه جامعة مانعة كافية شافية فقال: فلن تعدو قدرك". يعني: إنما أنت من إخوان الكهان. وهذا هو الفرق الجوهري والأساسي بين غلمان المسلمين قاطبة، وهذا الغلام الكاهن، عميل الشيطان الذي تحالف مع رئيسه، واستخدم الجان، وصار مصدرا خبيثا لكل فجر، وبهتان، وأضحي أخدودا لما يلقيه الشيطان، أو يلتقطه من أخبار السماء،أو ما حدث في الأرض وكان. وهكذا استخدم ابن صياد الجن، واستعمل الشيطان فتعاونوا جميعا علي الإثم والعدوان. وغدا ابن صياد أمام الناس، وراح في صورة غلام. لكنه أخفي بين ضلوعه ما لا يراه الإنسان.
غلام في مظهره، شيطان في مخبره،قد التقيا علي نهج مدروس، ودرب مخطوط، وهدف مرصود، وأمل منشود، هو قلب نظام العقيدة، وتدمير بنيان الدين، ورشق السهام في قلب الإسلام، وإشاعة الأراجيف، والأكاذيب حول رسول الله
فهل يعتقد أو يتخيل من عنده مسكه عقل، أو بقايا فهم أن هذا التخطيط المريع، يخرج من تحت عباءة غلام بريء لا علاقة له بالجن، ولا صلة له بالشيطان، أظن أن هذا الفرق هو الذي دفع رسول الله-r- وحثه حثاً ليهب منافحا عن دين الله، وينهض مدافعا عن العروة الوثقي، وما كان لصغر ابن صياد، وحداثة سنه، وزن في زجره، أو اعتبار في فضحه، أو كان ذا قيمة في التخذير منه، ومن وخيم أمره، وعسير منقلبة.
ولو كان هناك بارقة أمل في التهاون، أو التجاوز، والتسامح، مع شطحات هذا التحالف الإنسي، الشيطاني، الجني، المارق المتهوك، لكان هذا الغلام أحق، وأولي بغض الطرف عن مثالبه، وتمرير مساوئه. فوقوف النبي أمام هذا الغلام، وتعنيفه، والتغليظ عليه،والشدة معه رغم رفع القلم عنه، قد أصل وقعد للأمة الإسلامية إنسية، كانت أم جنية، دلالة واضحة وضوح الشمس في كبد النهار، علي أنه لا فرق في المساس بدين الله علي الإطلاق بين صغير،وكبير، ورجل،أو إمرأة إذا ما ثبت تورطهم، وتعاونهم، وتحالفهم مع الجن، والشياطين للطعن في دين الله تعالي.

حينئذ وجب علي الأمة الإسلامية فرادي، وجماعات أن يكونوا لهم بالمرصاد،
لو أد هذا العفن، ووقف هذا العبث، واقتلاع الفتنة من جذورها، واستئصال شأفتها قبل اندلاع لهيبها. فضلا عن تأصيل، وتقعيد الكيفية التي ستتعامل بها الأمة مع مثل هذه النائبات المفجعات، أيا ما كان متعاطيها. مادام قد فتح باب التعاون الأحمق مع الشياطين، وتباهي باستخدام الجن، وافتخر بالإستراق المهين. فوجب التشمير عن ساعد الحد، وشحذ الهم، لنسف براثن هذا التعاون، وسحق منابع هذا الاستخدام.


فكمن الخطر في الغلام- رغم أنه غلام- هو ذا التعاون اللعين، والاستخدام المتبادل الأثيم وخيوط هذا الخطر تبدأ من قرين هذا الغلام، ورئيه من الجن، والشيطان. وهو بيت القصيد، لأن القرين، أو الرئي هو الذي يمد الغلام بفتات الأخبار التي اقتنصها من قطرات الغيب. لتنسج تلك الأخبار بعد ذلك في فكر الغلام، ونطبخ في عقله فينطق بها لسانه، ويهمس بها بيانه فصار الغلام بقلبين، وأصبح له عقلان أو يزيد، عقل ما اكتمل نصابه فهو قاب قوسين أو أدني من البلوغ. وعقل شيطان ورئي من الجان ازدواجية ممقوتة وتعاون مرذول واستخدام منبوذ.
هل الغلام ممسوس؟

وزيادة في الإيضاح، والتبين الافتراضي بأن ابن صياد كان ممسوسا، واقتحم بدنه الصغير الجن، ودخل في جسده قهرا، وقسرا، وأجبره علي النطق بكلمات الكفر، وأرغمه علي التحدث بعبارات الشرك. فلو كان ذلك كذلك لتغير الحال، وتبدل القيا والقال. ولسارع رسول الله-r- لنجدة الغلام، وإغاثته وإخراج هذا الجني المعتدي من بدنه،ولو ضع يده الشريفة الحانية علي رأس الغلام. وضمه إليه بحنان الأم وعطف الأب.
ولكن موقف النبي-r-وحدته وحواره مع الغلام وشدته دل علي ما يلي:
(1) ابن صياد ما كان ممسوساً، ولم يكن مجبوراً، أو مقهوراً. وإلا لعالجه النبي-r-.
(2) ثم تعاون وتناغم بين ابن صياد، والجن، والشياطين، أديا إلي استخدام ابن صياد الجن وتعاونه مع الشياطين.
(3) واستخدام ابن صياد الجن لابد فيه من دخول الجن بدن ابن صياد.
(4) ودخول الجن بدن ابن صياد يستوجب أمورا ويتطلب أحوالا تؤتي وتتم من قبل المدخول فيه وهو ابن صياد لإرضاء الداخل وهو الجن.
(5) زجر النبي ابن صياد، وصفه إياه بالكهانة هذا يؤدي إلي القول بأن استخدام الجن حرام. والحرمة جزأين جزء متعلق ببداية الاستخدام، والجزء الآخر مرتبط بنتائجه، وتبعاته، الناجمة عن هذا الدخول. ومادام محرما استخدام الجن نهاية. فاستعماله من البداية أولي بالتحريم والله أعلم.

" حرمة الاستخدام"

مما سبق من دلائل يؤدي بنا إلي القول: إن حرمة استخدام الجن تنقسم إلي قسمين:-
القسم الأول:
متعلق ببدايات استخدام الإنس الجن، وما يترتب علي ذلك من حتمية دخول الجن بدن الإنس، وما يسبق هذا الدخول من مراسيم، وبراطيل، وتنازلات لإرضاء الجن حتي يقبل دخول بدن الإنس.
القسم الثاني:
مرتبط بنتائج هذا الاستخدام، وتبعاته النجامة عن دخول الجن بدن الإنس.
لهذا لم يعف رسول اله-r- الغلام من المسئولية رغم أنه غلام وما شفع له صغر سنه وما برأه رفع القلم عنه.

ولنغتنم هذه الفرصة لنقارن بين ابن صياد الغلام، والمرأة التي تناولنا أمرها بالتفصيل سابقا في الأثر الوارد بشأنها([21]) فلقد اجتمع ابن صياد،والمرأة في أمور نذكر منها ما يلي:
(1) ابن صياد معه رئي من الجن.وكذلك مع المرأة.
(2) ابن صياد أخبر عما أضمره النبي-r- وخبأه في الزمن الماضي، والمرأة أخبرت عن ماض أحوال أمير المؤمنين عمر- رضي الله عنه.
(3) ابن صياد رغم صغر سنه لما أخبر عما خبأه له رسول-اللهr- في
الماضي، عده النبي -r- ضمن الكهان، وصفه بالكهانة.

فالمرأة التي أخبرت بأحوال أمير المؤمنين الماضية أولي وأحق بهذا الوصف. فتصبح بذلك كاهنة كاهنة لا مرد لذلك، والنبي rقال:" من أتي كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل علي محمدr"([22]).
من أجل هذا أقطع بأن ساحة الصحابي الجليل أبي موسي الأشعري- رضي الله عنه- بريئة من هذا الأثر السخيف.
فرية ورب الكعبة.. يا لها من فرية!!
كيف يتهم صحابي جليل، ويزج به في مثل هذا المنحني الوعر، والمنحدر الخطر والمخالفة الصريحة لرسول الله-r-؟!
اللهم إني أبرأ إليك من اتهامنا إياه بذلك.
وأدين إليك ببراءة سلفنا.
وأستغفر الله العظيم مما ذلك به لساننا، أو داخل الذهول قلوبنا وغلب عليه نسيانا.


([1])الغر: الأحمق.


([2]) أطم جمع آطام وهي حصون لأهل المدينة.


([3]) صحيح سنن لترمزي رقم 2249.


([4]) البخاري في الجنائز 1354، مسلم في الفتن وأشراط الساعة 2924/86.


([5])5/771 شرح النووي.


([6]) (شروح صحيح البخاري- لإبن بطال- باب كتاب الأدب 9/333) والخاسيء من الكلاب والخنازير والشياطين البعيد الذي لا يترك أن يدنو من الإنسان والخاسء المطرود(لسان العرب) وإخسا كلمة زجر واستهانه أي أسكت صاغراً ذليلاً. إنما أنت من إخوان الكهان، ومعلوم أن الأخوة إذا كانت في غير الولاده والرضاعة كانت للمشاركة والإجتماع بالفعل والمراد بالأخوة هنا المماثلة التامة في كل ما لا خير فيه من صفات السوء.


([7]) أنه يشمل كل من ادعي معرفة لغيب الماضي والحاضر والمستقبل وهذا القول هو المشهور عند أهل العلم.


([8])(شرح العقيدة الطحاوية- المسميبـ" إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ).


([9])(إعانة المستفيد من شرح كتاب التوحيد1/224 صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان).


([10])آثرنا التعبير ببياض القلب مع أنه لا يتناسب ظاهريا مع سابق الكلام لأن كل مولود يولد علي الفطرة وابن صياد في هذه القصة لما يبلغ الحلم بعد فهو فيه مخايل البراءة.


([11]) زميم الصيت.


([12]) مشهود القبح.


([13])كل ما أفزعك من صوت أو فاحشة تشاع.


([14]) وهو الحادثة من حوادث الدهر.


([15])سبق تخريجه.


([16])مجموعة الفتاوي7/79، مجموع الفتاوي13/87.


([17])القول المفيد1/251.


([18])أي خبر بن صياد.


([19])نقلا عن أخبار الدجال وابن صياد لفضيلة الشيخ مصطفي العدوي حفظه الله ص 54.


([20])صحيح ابن ماجه 2041-الإرواء 297-صحيح الجامع 3513.


([21])للتذكرة والمتابعة نعيد الأثر قال شيخ الإسلام ابن تيمية:-"وقد روي عن ابي موسي الأشعري أنه ابطأ عليه خبر عمر وكان هناك امرأة لها قرين من الجن فسأله عنه فأخبره أنه ترك عمر يسم إبل الصدقة أ هـ.


([22])صحيح الجامع رقم 5939.











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق