الأحد، 11 مارس 2012

الدليل الخامس من أدلة تحريم إستخدام الجن( مدحت عاطف )


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*******

الدليل الخامس من أدلة تحريم إستخدام الجن
******
للشيخ الدكتور مدحت عاطف


من كتابه 

لا لاستخدام الجان عذرا شيخ الإسلام
حادثة الإفك
في ليلة ليلاء ويوم أيوم احتبلت فيها حبول([1])الردي واندلعت أراجيف الهوي، وتداعت السنة الإفك، وسخائم الحنق والحقد، وهنا ولغ النفاق في عرض الحصان الرزان، الصديقة بنت الصديق- رضي الله عنهما- إفكا وبهتانا، وخيم السكون علي ربوع البيداء، وأرخي الحدث سدوله بصنوف الحزن، وأنواع الأسي ليحيي الله من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، ولما بلغ الكلام نصابه وتجسد بين يدي رسول الله- r-، وتمثل الافتراء أمامه، وقد تموه بالكذب، وتزين بالزور، فماذا عساه بأبي هو وأمي-r- أن يصنع، عاش r([2]). يتجرع الكمد-r-، ويتدثر بالقلق، والأرق، وتحضره الهموم من بين يديه ومن خلفه. جو عصيب، ورهيب ومشيب، عاني فيه-r- وقاسي أياما، وليالي بطولها، وعرضها صابرا-r- محتسبا.

وانقطاع الوحي أدي إلي تراكم الهموم، وتزاحم عظائم الأمور، حتي قالت السيدة عائشة رضي الله عنها:" وقد لبث شهراً لا يوحي إليه في شأني حكي التسهيلي أن بعض المفسرين ذكر أن المدة كانت سبعة وثلاثين يوما فألغي الكسر في هذه الرواية- وعند ابن حزم أن المدة كانت خمسين يوما أو زيد- ويجمع بأنها المدة التي كانت بين قدومهم المدينة ونزول القرآن في قصة الإفك.

وأما التقييد بالشهر فهو المدة التي أولها إتيان عائشة إلي بيت أويها حتي بلغها الخبر"أ هـ([3]).
وأياما كانت المدة فحسبنا أن رسول الله-r- وأصحابه رضي الله عنهم- قد التحفوا بجلباب الجويحتي جفاهم الكري. وبلغ السيل الزبي والرسول-r- علي أحرمن الجمر، ينتظر فرج الله- عز وجل- بالوحي، لتجلية حقيقة هذا الأمر

فماذا إذا يريد رسول الله-r- من الله سبحانه وتعالي؟
يبغي رسول الله-
r
-، أن يظهر الله الحق الذي عز عليهم معرفته، وبعد عن علمهم تجليته.
يرجو رسول الله-
r
- أن يعلمه الله- سبحانه وتعلي-، ويخبره بالغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله عز وجل
قال تعالي:" عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا"(
[4])... الآية" وقال سبحانه وتعالي:" وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ.. الآية"([5]).

وقال عز وجل:" قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ.."([6])
هذا الغيب الذي حجب عن رسول الله-r-، وبغيابه قامت دنيا القيل والقال.وما قعدت علي أشرف، وأنقي وأطهر عرض.
والغيب هنا المنتظر من الوحي، هو الإخبار بحقيقة ما حدث للسيدة عائشة- رضي الله عنها- بعدما فقدت عقدها، فحسبها ابتغاؤه في فلاة لا داعي فيها، ولا مجيب حتي يسر الله لها الصحابي الجليل، صفوان بن المعطل- رضي الله عنه.

ومن هنا بدأ نسيج الشيطان يحاك بليل، فالغيب الذي سيخبر به الوحي رسول اله-r-، ما هو إلا آيات قرآنية تتناول حادثة الإفك. وتتحدث عن براءة السيدة عائشة- رضي اله عنها، العفيفة الشريفة الصديقة بنت الصديق- رضي الله عنهما-،
لما تخلف عن الركب، وصار صفوان لها دليلا. هذا هو الغيب الذي غاب عن رسول الله
r، وعن أصحابه رضي الله عنهم. واستمر هذا الحدث لأكثر من شهر. كما أسلفنا أي أنه غيب تمت فصوله، وانتهت بصماته في الزمان الماضي.


وفضيلة الشيخ بن عثيمين- رحمه الله- يقول:" وقد يتصل الإنسان بجنبي، فيخبره عما حدث في الأرض، ولو كان بعيدا فيستخدم الجن. لكن ليس علي وجه محرم فلا يسمي كاهنا، لأن الكاهن من يخبر عن المغيبات في
المستقبل"([7]).

سبحان الله- الرسول-r-، معه أصحابه من الإنس العدول الثقاب، وله أيضا من الجن أصحاب عدول ثقات فكما استشار أصحابه من الإنس بشأن السيدة عائشة – رضي الله عنها- فلماذا لم يستشر أصحابه من الجن، ويطلب منهم إخباره عما حدث في أرض الصحراء، منذ أكثر من شهر، علي حد قول فضيلة الشيخ ابن عثيمين؟!

واستخدام الرسول-r- الجن في هذا المأزق الحرج، أيسر، وأسرع، وأسهل، خصوصا بعد انقطاع الوحي هذه المدة الطويلة.
أوما كانت هناك ضرورة شرعية توجب الأخذ بها، حتي يتجاوز الرسول-r- هو، وأصحابه هذا الحدث الفظيه، ويتخطي هذا الموقف الشنيع. أليست الضرورات تبيح المحذورات. فلماذا أحجم النبي-r-، عن استخدام الجن مع شدة الحاجة إليه؟ولم يطلب من الجن إخباره عما حدث في الأرض، ولو كان بعيدا علي حد قول الشيخ ابن عثيمين أوما كادت المحنة تعصف بالصف المسلم، وتزعزع وشائج الألفة، وتزلزل أواصر المودة، وروابط المحبة بين المسلمين. أو ما كانت عقبة كنوداً، أوشكت أن تعكر صفو النفوس، وتحطم جو الاتحاد، والوئام حتي غدا القتال بين المسلمين قاب قوسين أو أدني أو ما كانت هناك ضرورة تفوق حقن دماء المسلمين، وقطع ألسنة الأفاكين.
ألم تكن المفاسد التي أدمت قلوب المسلمين أعظم خطراً، وأفدح خسارة من مفسدة سؤال الجن عما حدث في الماضي. هذه الضرورات الملحة التي تفرض الرخص، وترفع الحرج، وتبيح استخدام الجن، وتجيز سؤال عما حدث في الماضي البعيد الذي مر عليه أكثر من شهر. وسؤال الجن في مثل هذه الملمات، والمآزق أسهل، وأيسر وأسرع من
طول الانتظار، الذي مر علي رسول الله-r-، وأصحابه أثقل من جل أحد.

فيا دعاة الاستخدام: إذا كان هذا حال رسول الله-r- مع قضية استخدام الجن، واستعماله ساعة المحنة، لحظات العسرة،وأوقات الحرج، والضيق، والحزن العميق،
أظن أنه بهذا السلوك النبوي-r-، وفي هذا الموقف المأسوي أصل-r- قاعدة، وقعد تأصيلا، وأبان حكما، هذا الحكم محق به-r- وأباد بالكلية أية بادرة أمل في استخدام الجن، واستعماله والتعاون معه في الحال، أو الاستقبال بأي صورة.

فإن رسول-r- لم يستخدم الجن مع قدرته علي ذلك، وشدة حاجته إلي ذلك، فهو النبي المصطفيr الذي كلم الجن، وكلموه وجالسهم، وجالسوه وعلمهم وسمعوه.
ولو أنه-r-، أشار لأصحابه من الجن بإصبعه للبوا مسرعين في الحال مذعنين.ومع ذلك كله ما فكر في استخدام الجن. مع العلم أن الجن الذي سيستخدمه مقطوع بإيمانه، موثوق في إسلامه، وإحسانه، مشهود بعدالته، وصلاحه وثقته، فقد زكاة القرآن والسنة، والإجماع، والمعقول. كما مضي رغم ذلك لم يسن لنا رسول الله- r-استخدم الجن، ولم يشرع استعماله، أو التعاون معه لا في وقت المحنة والشدة، والضرورة ولا في غيرها من باب أولي.

ففعل رسول اللهr قد عكر علي فتوي الاستخدام، وأشكل علي دعاة الاستعمال فضلا عنانه-r- هو الأولي بالإتباع وفضيلة الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله تعالي-، يجيز استخدام الجن، واستعماله، تقليدا لسلفه الشيخ ابن تيمية- رحمه الله تعالي-، وانتصارا لفتواه. ويبيح سؤاله عما حدث في الأرض.

ورغم أن الشيخ ابن عثيمين،وشيوخ الأرض مجتمعة، أو متفرقة في الماضي،أو الحاضر، والمستقبل لا تعلم، ولنتعلم ولا تستطيع، ولن تستطيع الجزم، أو القطع بهوية
الجن المستخدم، وأحواله مسلم هو أوكافر، أصالح أو طالح، مخادع أو ماكر، خبيث أو طيب، ثقة أوعدل.
فكل هذه الأحوال والأوضاع غيبية، والخوض فيها يفتقر إلي نصوص شرعية، لا يجرؤ عليها أحد إلا بنص، ولا نص فيما أعلم مع أرباب فتوي الاستخدام، ولا مع من شايعها وانتصر لها، والله أعلم.

فأين العقل؟ بل أين العاقل الذي يقبل ثم يقبل علي استخدام جن، مجهول الثقة، مبهم الهوية لا تعرف دياثة، ولا يهتدي إلي عدالته؟!
وإن جاز لنا وافترضنا المحال، وتجاوزنا سلم عدالة الجن المستخدم، وإشكالات إيمانية وإسلامه، وتأكد لدينا يقينا لا يعتريه شك، ولا داخله ريب أن هذا الجن الذي سنقوم باستخدامه،واستعماله، والتعاون معه،جني مؤمن صالح، عدل، ثقة، وتوافرت فيه كل موجبات الأمن،والأمان.
أما لنا في رسول الله-r- قدوة وأسوة قال تعالي" وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا الآية"( أما يوجب علينا الإيمان إتباع رسول-r-، فانه صلي-الله عليه وسلم- مع ثبوت إيمان الجن، وعدالته وصحبته، وصلاحه ثبوتا قطعي الدلالة.

ومع ذلك ما شفع هذا كله للجن حتي يستخدمه رسول الله-r- بأي صورة من صور الاستخدام، وتحت أي مسمي، أو ظرف،وأحجم رسول الله-r- وتوقف عن استخدام الجن، وامتنعr عن استعماله، وضرب r صفحا عن التعاون معه.
فهلا اقتدينا واتبعنا!!!


( [1])الحبل: الداهية وجمعه حبول.


([2])(نقلا من السيرة النبوية من فتح البري ج2-ص 68).


([3])(نقلا من السيرة النبوية من فتح الباريج2-ص68).


([4])سورة الجن رقم 26.


([5])سورة الأنعام الآية رقم 59.


([6])سورة النمل الآية رقم 65.


([7])سبق تخريجه.


([8])سورة الحشر الآية رقم7.










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق