الأحد، 11 مارس 2012

الدليل السادس من أدلة تحريم استخدام الجن (مدحت عاطف )




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الدليل السادس من أدلة تحريم إستخدام الجن

 

للشيخ الدكتور مدحت عاطف
من كتابه
لا لاستخدام الجان عذرا شيخ الإسلام


المفتنون المأفوك
استخدام الإنس الجن كالممهورة بإحدي خدمتيها([1])، لأن الاستخدام رهين دخول الجن بدن الإنس، وذلك علي الوجه الذي سبق تفصيله.
وهذا الدخول يعد الدعامة الأساسية في قضية الاستخدام، ويعتبر الوطائد([2])الأولية لهذا الاستعمال، وهو القاعدة التي يقوم عليها، وتنهض بها أركانه.
فإن تأبي علي الدخول وامتنع، تلاشي لأجله الاستخدام، واستحال في إثره التعاون بين الإنس والجان، واضمحلت في عقبه جميع صور الاستخدام، وأنواعها علاوة علي ذلك، فإن الدخول نفسه يسبقه مراسيم، ومضامين([3])، ومفاوضات، وتنازلات تتم، ومواثيق تبرم بين الداخل وهو الجن، والمدخول فيه وهو الإنس.


هذه المنظومة السابقة علي عملية الدخول يقوم بها، ويباشر بنودها كلا الطرفين الإنس،والجن بطيب خاطر وكامل، وعي، وإدراك وإرادة حرة. وريثما تتم هذه المقدمات القذرة السابقة لعملية الدخول والاستخدام، يقتحم الجن بدن الإنسان، ويسكن جسده ويستقر في جوفه، وبطنه، وشحمه، ولحمه، وعروقه، والدماء وكأني بالجني بعد أن تم له المراد، وجعل من البدن متكئا ومهادا، صاح بالأصالة عن نفسه، والنيابة عن الجن الكافر، والشياطين بأنفذ صوت. مهددا، متوعدا صاحب البدن- الذي صيره له سكنا- خاصة، والمسلمين عامة، يقول: والله لأبغضنك لذيذ الحياة،


ولأحببن إليك كريه الممات، حتي تذوق وبال أمرك، فتعذر حين لا تقبل المعذرة، وتستقيل حين لا تقال العثرة. وهنا اتقدت الملحمة([4])، واحتدمت([5]) الهيجاء([6])، وتبدلت البسمات حسرات، وانبجست الصواعق من دياجير العواصف باستفهامات عدة، واستفسارات جادة، يحار في الإجابة عنها الأريب، ويتورع البت فيها الأريب، أسئلة تتسول الإجابة علي موائد العقلاء، لاسيما بعد تمام، وكمال عملية دخول الجن المستعمل بدن الإنس المستعمل.
وهي من المسيطر علي من؟
هل المسيطر الجن المستخدم أو الإنس المستخدم؟
من القائد والمقود؟ من الحاكم ومن المحكوم؟
هكذا تتوارد إشكالات، وتتولد مشكلات.
مجاهيل بلغ السيل منها الزبي، وصعبت مراميها، ومراكبها، وصار وبال ذلك كله وروادفه جاثما علي العقول، والقلوب والأعراض.
وحتي يأخذ كل مسلم، ومسلمة من ذلك الأمر أهبته، وعدته من باب السعيد من وعظ بغيره.


ويفطن كل هواة الاستخدام ومحترفيه إلي عار، وخيبة، وبوار التعامل مع الجن، الذي ينخر في عظام الإنسان من خلال وطيس([7]) الاستخدام، وويلاته، ويبعث بشحمه، ويلعب بلحمه، ويفسد دمه، ويهلك عروقه.
وها أنذا أسوق لهؤلاء، وأولئك عبارات تمثل أجلي البديهات، وأوضح الضروريات، نطالعها ونحن منها قاب قوسين أو أدني، لنعاين مشاهدها بعدما ارتفعت وتيريتها، وزادت حدتها وهي تستأصل شأفة كرامة، ورجولة مستخدمي الجن، وتقتلع جذور الغيرة، وبذور الشهامة، من أرقة وأزقة مستعملي الجن. بأي شكل كان هذا الاستعمال.


ومن هذه العبارات:
أولاً:- يقول شيخ الإسلام: وإن الجني يتكلم علي لسان الإنسان، كما قد عرف ذلك الخاصة والعامة، وعرفه علماء الأمة وأئمتها أهـ([8]).
ثانيا:- ويقول رحمه الله: ومنهم من يري في منامه أن بعض الأكابر: إما الصديق- رضي الله عنه- أو غيره قد قص شعره، أوحلقه أو ألبسه طاقية،أو وثوب فيصبح وعلي رأسه طاقية، وشعره محلوق أو مقصر، وإنها الجن قد حلقوا شعرهأو قصروه.أهـ([9]).


ثالثاً: قال ابن تيمية: مثل من يدخل النار بحال شيطاني، أو يحضر سماع المكاء، والتصدية فتتنزل عليه الشياطين،وتتكلم علي لسانه كلاما لا يعلم،وربما لا يفقه، وربما كاشف بعض الحاضرين بما في قلبه، وربما تكلم بألسنة مختلفة كما يتكلم الجن علي لسان المصروع، والإنسان الذي حصل له الحال لا يدري بذلك أهـ([10])".


رابعا:- يقول ابن تيمية رحمة الله." قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي إن قوما يزعمون أن الجن لا يدخل بدن الإنس. فقال: يا بني يكذبون هو ذا يتكلم علم لسانه([11]).


خامسا: يقول ابن تيمية:" ومن هؤلاء من تحمله الشياطين، فتطير به في الهواء، ومنهم من يرقص في الهواء ومنهم من يلبسه الشيطان، فلا يحس بالضرب ولا بالنار إذا ألقي فيها"([12])


.
سادسا: يقول ابن تيمية:" هؤلاء قد لا يتعمدون الكذب، لكن يخيل لهم أشياء تكون في نفوسهم، ويظنونها في الخارج، وأشياء يرونها تكون موجودة في الخارج، لكن يظنونها من كرامات الصالحين، وتكون من تلبيسات الشياطين"
وهنا أسفرت عبارات ابن تيمية، وانجلت كلماته عن أسوأ مرحلة في حياة مستخدمي الجن، وأشأم حقبة في عمر مستعمليه علي وجه الإطلاق، والعموم فبعد أن نخس الجن الإنسان ودخل فيه، وعلي جناح السرة توجه الجني تلقاء أحشائه، فبالة جوفه ثم لوي والتوي، وتواري وارتمي بين أحضان نبضات قلبه، وخلجات نفسه، وفي التو واللحظة سقط العقل وما حوي، والجسم وما أحتوي بوتقة للجن، أوقد تحتها وأشعل حولها نار الشيطان.


وبدأت أولي درجات الاستهانة، والامتهان، ومع بزوغ أول فصول الملحمة المأساوية يفصح شيخ الإسلام، ويصرح بسيطرة الجن المستخدم علي لسان الإنس المستخدم، والنطق به والتحدث من خلاله مع الرائح والغادي.
فما ردعه أو منعه الإنسان، وما استطاع إلي ذلك سبيلا.والأمر من ذلك انه ما شعر، وما دري أصلا بكلام الجن علي لسانه. فيا خيبة الاستخدام، ويا حسرة المستخدمين ! أين هو استخدام الإنس الجن الذي تزعمون؟!!


وتتوالي المشاهد وتتلاحق المتاعب، والمصائب ويستطرد ابن تيمية في إبراز قدرات الجن، الذي يستخدمه الإنس، ويشرع الجني في استعراض عضلاته، وقوته فيلقي بمستخدمه في النار، ولم ينس أن يعطل مراكز الإحساس في جسمه، مما افقده الشعور عامة.


فلا نار تلسعه ولا ضرب يوجعه، وإمعانا في إظهار القوي، ومبالغة في استعراض القدرات. ما اكتفي الجن، وما شبع بما قدمه من مهارات، ما بين تحكم في لسان الإنس وإحساسه،وإذا هو يقتحم علي مستخدمه سراديب أحلامه، يجوب فيها حتي يريه في منامه، وقد ألبسه ثوبا وقص شعره، ويستيقظ الإنس المستخدم الجن، قد تحس رأسه فوجد الشعر محلوقا، وبثوب علي جسده ملبوسا، كل هذا وذاك يحدث ويقع، والإنس المستخدم الجن هناك حيث لا هناك سمع ولا بصر ولا شعور أو إحساس.


وعجبا لمن أصيب بعقله وعقله مه!!!
جن قد أقدره الله تعالي علي الدخول في بدن الإنسان، واحتلال موارده ونهب ثرواته، والتحكم في المهام، وإمساك الزمام فانصاعت له الأعضاء، وخضعت لسلطانه الحواس. استخدم الجن أعضاء الإنس، واستعمل حواسه استعملا ماديا ملموسا، واستخداما حقيقيا محسوسا لا ريب فيه ولا شبهة تحتويه.


وتضطرب مجريات هذا الإنسان، ويتزعزع كيانه فكلامه ليس بكلامه، وشعوره عبثا إن قالوا شعوره، ونظراته أبدا لن تكون عيونه، هذا كله والإنس في عالم، ولجه مخدوعا، ودخله موهوما، بكامل، وجل سعيه، عالم الدنو منه بعيداً عن كتاب الله محرقة والاقتراب منه بمعزل عن هدي رسول الله r مهلكة.


لذلك أصرخ مرات،وأصيح كرات، وأقول بحسرات: يا قوم
من أولي بهذا الاستخدام وأحق بهذا التوصيف؟ الجن المستخدم الذي تحكم في اللسان، وتمكن من الإحساس والشعور واللبان. أم الإنس المستخدم الذي رغم أنفه، واستسلم منقادا مكتوف النفس والنفس، لسلطان الجن الذي بداخله وسيطرته. مستكينا له حتي سلبه لسانه، وعينه، وشعوره، وإحساسه.


فمن إذا المستخدم من؟!
من المتحكم في الأعضاء، المتمكن من الحواس والشعور؟
فمن إذا المستخدم من؟؟
نريد عقول رشد، ورشاد عقل


-أخشي أن تكون ديوثا-

بعد أن تيقن لدينا، وتأكد عندنا أن الجن قد أقدرها لله- تعالي- علي الكلام، بلسان الإنسان، ومكنه سبحانه وتعالي، من الإبصار بعين الآدمي، وحكمه الله عز وجل في عور الإنس، واحتلال أحاسيسه، حتي صار الإنسان مع صاحبه، وقرينه الجان لا يسمع لا يري لا يحس إلا فتات ما يقع من جعبة الشيطان. وإن كانت هذه السيطرة لها أحوال مخصوصة، وأطوار مصفوفة ولكن احتمالية حدوث هذه السيطرة في أي وقت، وفي كل حين وارده وقائمة،


وهذه أمور شهدت بصحتها التجربة، وأيده شاهد النقل، والعقل، وتناصرت عليها أدلة الطبع والسمع وكلام الجني مع زوجة المستخدم الجن بلسان زوجها وارد ومتوقع، وكذا باقي التعاملات الزوجية محتمل ومترقب وهذه أمور لا تنازعها الشكوك، أو تجاذبها الظنون وداهية الدواهي أن الإنس المستخدم الجن، يخفي بين جنبيه رجلا من الجن قال الله تعالي:" وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا"(سورة الجن:6) هذا الجن الذي أرخيتم نانه، وخليتم له بين أضلعكم مكانا، يملك ما يملكه رجال الإنس، ويهوي ما يهونه، فهو رجل بكل ما تحمل الكلمة من مبني، وتحوي من مغزي، وتعني من معني، فإذا انقلبتم إلي أهليكم انقلب معكم، وإذا جالستوهم جلس معكم،
فإذا ما خلعت الزوجة خمارها، وطرحت ثيابها. في هذه الحالة الشديدة الخطورة، والحرج،
ما الرادع يا أصحاب الاستخدام الذي يحول بين الجن، والنظر إلي ما أحببتم النظر إليه ؟! فيشاهده الجن وأنتم لا تبصرون ثم ما موجبات القوة لديكم فيصده حتي لا يشعر بما شغفتم الشعور به؟
!! فيحسه الجني، وأنتم لا تشعرون، بل أروني سياطكم التي تلهبون الجن بها ضربا، إن أردتم النطق بما تهوي الأنفس فتلكم الجن وأنتم لا تنطقون واختصاراً إن أراد هذا القرين الماثل بداخلكم التعامل مع زوجتك، ورفع عن كاهلك مغبة تكبد المتعب، وتجشم المشاق، وقام بدورك من غسق الليل إلي طلوع الفجر، ما المانع وما المحيل أن لملم يكن علي الاستحالة دليل.
وآه ثم آه ثم آه.. يا حمرة الخجل أسعفينا!!
وآه للابس شعار الطرد([13]) وما يشعر به، وأسفا لمضروب ما يحس صوت الشوط([14]).



([1])يض رب مثلا في الحمق، وأصله أن امرأة روادها رجل عن نفسها، فأبت إلا أن يمهرها، فنزع أحد خلخالها وأعطاها إياه، فرضيت وأمكنته من نفسها، فتمثلت بها العرب في الحمق، والخدمة: الخلخال.


([2])الوطائد: الركائز.


([3])مضامين: محتوي.


([4])القتال.


([5])اشتدت


([6])الحرب.


([7])الوطيس: التنور.


([8])النبوات1/123.


[9] مجموعة الفتاوي 6/160- مجموع الفتاوي 11/289.


([10])الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.


([11])مجموع الفتاوي19/12.


([12])الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان1/69 حققه وعلق عليه علي بن نايف الشحود باب الفرق بين المعجزة والكرامة والكهانة(3) مجموع الفتاوي 6/136.


([13]) الطرد: الصيد.


([14])الجري مرة إلي الغاية






هناك تعليق واحد: